خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 8 من جمادى الأولى 1444هـ - الموافق 2 / 12 / 2022م
]إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ وَحَدَّ الْحُدُودَ وَأَوْضَحَ السُّبُلَ، وَخَلَقَ الْإِنْسَ وَالْجَانَّ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ؛ لِتَوْحِيدِهِ – سُبْحَانَهُ- وَعِبَادَتِهِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِي اجْتِنَابِ نَهْيِهِ وَالْتِزَامِ طَاعَتِهِ؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( [الذاريات:56]، وَتَوَعَّدَ سُبْحَانَهُ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ شَيْئًا بِأَعْظَمِ الْوَعِيدِ وَأَشَدِّ التَّهْدِيدِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ] إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ [المائدة:72]. وَمَا مِنْ رَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ إِلَّا وَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَآثَارِهِ عَلَى الْعَبِيدِ؛ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ [النحل:36].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ أَوَّلَ مَا حَدَثَ الشِّرْكُ فِي الْأَرْضِ فِي قَوْمِ نُوحٍ حِينَ غَلَوْا فِي الصَّالِحِينَ، ]وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا[ [نوح:23]، وَهُمْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ؛ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ: عُبِدَتْ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ.
وَهَكَذَا دَبَّ الشِّرْكُ وَتَعَدَّدَتْ أَبْوَابُهُ، وَتَنَوَّعَتْ أَسْبَابُهُ: مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْمَخْلُوقِينَ، وَالْجَهْلِ بِحَقِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَنَازُعِ الْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْمُغْرِيَاتِ، وَغَلَبَةِ الْحُظُوظِ وَالْمَطَامِعِ وَالشَّهَوَاتِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَالتَّوْحِيدُ: هُوَ إِفْرَادُ اللهِ تَعَالَى فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَفِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَمَنْ حَقَّقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَوْسَعِ أَبْوَابِهَا، وَبُعِّدَ عَنِ النَّارِ وَعَذَابِهَا. وَيُضَادُّهُ الشِّرْكُ بِاللهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: شِرْكٌ أَكْبَرُ، وَشِرْكٌ أَصْغَرُ، فَالشِّرْكُ الْأَكْبَرُ يَعْنِي: صَرْفَ نَوْعٍ مِنَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى؛ كَالدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالنَّذْرِ، وَالِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللهِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[ [الأنعام:162-163]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ t].
وَهَذَا الشِّرْكُ يُنَافِي التَّوْحِيدَ، وَيُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ، وَيُحْبِطُ الْعَمَلَ، وَيُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ قَبْلَ نُزُولِ الأَجَلِ.
وَأَمَّا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؛ فَكَالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ، وَمِثْلِ قَوْلِ: (مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ)، وَالرِّيَاءِ، وَكَإِرَادَةِ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ- الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ- مَطْمَعًا مِنْ مَطَامِعِ الدُّنْيَا. وَهُوَ لَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ، وَلَكِنَّهُ يُحْبِطُ مَا قَارَنَهُ مِنَ الْعَمَلِ.
عِبَادَ اللهِ:
وَحَقِيقَةُ الشِّرْكِ بِاللهِ: أَنْ يُعْبَدَ الْمَخْلُوقُ كَمَا يُعْبَدُ اللهُ، أَوْ يُعَظَّمَ كَمَا يُعَظَّمُ اللهُ، أَوْ يُصْرَفَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ أَوِ الْأُلُوهِيَّةِ، فَمَنِ اعْتَقَدَ خَالِقًا وَمُدَبِّرًا مَعَ اللهِ، أَوْ عَبَدَ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ صَرَفَ عِبَادَةً لِغَيْرِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ؛ كَمَنْ دَعَا نَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا أَوْ مَلَكًا -فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ- أَوْ قَبْرًا أَوْ حَجَرًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَقَدْ أَشْرَكَ؛ إِذِ الدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، بَلْ هُوَ الْعِبَادَةُ ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ: ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[ [غافر: 60] [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]. أَوْ أَطَاعَ الْعُلَمَاءَ وَالْأُمَرَاءَ فِي اعْتِقَادِ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ، أَوْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ]اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[ [التوبة:31] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. أَوِ اتَّخَذَ نِدًّا يُحِبُّهُ كَحُبِّ اللهِ، أَوْ يَخَافُهُ كَخَوْفِهِ مِنَ اللهِ؛ قَالَ تَعَالَى:] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ[ [البقرة:165]؛ فَكُلُّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ أَوِ اعْتَقَدَهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ شِرْكًا أَكْبَرَ مُخْرِجًا مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا[ [النساء: 48].
وَمِنَ الشِّرْكِ – كَذَلِكَ- أَنْ يُرِيدَ بِأَعْمَالِهِ: الدُّنْيَا، أَوِ الرِّيَاءَ أَوِ السُّمْعَةَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [هود: 15 - 16]، وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ].
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا شَيْءَ قَبْلَهُ وَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَأَخْلَصَ لَهُ وَوَحَّدَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مَا أَثْنَى عَلَيْهِ عَبْدٌ وَحَمِدَهُ.
إِخْوَةَ الْعَقِيدَةِ:
إِنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَأَشَدُّهَا خَطَرًا، وَأَشْنَعُ الْآثَامِ وَأَقْبَحُ الْمُنْكَرَاتِ وَأَكْثَرُهَا ضَرَرًا؛ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ: )الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ( [الأنعام:82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: )يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( ؟ [لقمان:13] [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَمِنْ خَطَرِ الشِّرْكِ وَضَرَرِهِ: أَنَّهُ مُحْبِطٌ لِكُلِّ عَمَلٍ؛ فَلَا تَنْفَعُ مَعَهُ حَسَنَةٌ قَطُّ، إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النِّيَرَانِ، وَيُحْرَمُ الْجِنَانَ؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[ [النساء:116]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِذَا كَانَ الشِّرْكُ بِهَذِهِ الْخُطُورَةِ ؛ فَلَا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ بِمَنْأًى عَنِ الشِّرْكِ وَأَسْبَابِهِ، وَأَنَّهُ عَلَى التَّوْحِيدِ مِنْ جَمِيعِ أَبْوَابِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا خَافَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمَا حُذِّرَ مِنْهُ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ]وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [الزمر:65]، فَالشِّرْكُ إِهَانَةٌ لِلْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ، وَانْحِطَاطٌ لِقَدْرِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ ذَنْبٍ! وَمَا أَفْظَعَهُ مِنْ جِنَايَةٍ!. وَلْيَتَّقِ الْعَبْدُ الشِّرْكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَلَبَّسْ بِصُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَلَا يَلْتَجِئْ إِلَى الْمَخْلُوقِ فِي الضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَلَا يَسْتَغِثْ بِمَخْلُوقِينَ مِثْلِهِ أَمْوَاتٍ أَوْ أَحْيَاءٍ، فِيمَا لَا يَمْلِكُونَ فِيهِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ جَلْبًا وَلَا مَنْعًا؛ ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[ [الأحقاف:5-6].
وَلْيَتَجَنَّبِ السِّحْرَ وَالْكِهَانَةَ وَقِرَاءَةَ الْفِنْجَانِ وَالْكَفِّ وَالْأَبْرَاجِ، وَتَعْلِيقَ التَّمَائِمِ، وَلُبْسَ الْحَلَقَةِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا لِدَفْعِ الْبَلَاءِ أَوْ رَفْعِهِ، وَالتَّبَرُّكَ بِالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَالْآثَارِ وَالْبِنَايَاتِ، وَالْحَلِفَ بِغَيْرِ اللهِ؛ كَالْحَلِفِ بِالشَّرَفِ أَوِ الشَّبَابِ أَوْ بِرَأْسِ فُلَانٍ... وَقَوْلَ (مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ) وَ (لَوْلَا اللهُ وَفُلَانٌ) وَنَحْوَ ذَلِكَ.
فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خَطَرَ الشِّرْكِ هُوَ الْخَطَرُ الشَّدِيدُ، وَضَرَرَهُ هُوَ الضَّرَرُ الْأَكِيدُ؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئاً، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ].
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَائِمِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَاعِدِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ رَاقِدِينَ، وَلَا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءً وَلَا حَاسِدِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ.
اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الإِيمَانِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْعِصْيَانِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلِ الْكُوَيْتَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ؛ إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة